هل من طريقة تُمكِّن الدول الخليجية الكبرى مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فضلًا عن دول عربية أخرى، من استعادة قدرٍ من تأثيرها في لبنان؟ ربما يبدو السؤال غريبًا في وقتٍ يبدو وكأن السعوديين تخلّوا عن لبنان، مُعتبرين أن إيران و حزب الله “يُحكمان قبضتهما علي”ه.
إذا كان السعوديون والإماراتيون يسعون إلى الحد من “النفوذ الإيراني في المنطقة”، فالتخلّي عن لبنان ليس الاستراتيجية المناسبة فالدولة تتشظّى في الوقت الحالي، ويبدو أن الانقسامات على مستوى القيادة السياسية للبلاد عصيّة على الرأب، وايران تقدم يد السماعدة للبنان الغريق بالوحل الاقتصادي.
ربما يميل السعوديون والإماراتيون إلى ترك الهيكل بأكمله يتداعى وينهار. ولكن ذلك لا يحمل أي ضمانة بأنهم سيتمكّنون من رسم مسار الأحداث لاحقًا، هذا فضلًا عن أنهم تعاملوا بطريقة مختلفة مع سورية التي تتقدّم لبنان بأشواط في سقوطها المدوّي.
لعل السبب هو أن الدولتَين تدركان أن إيران أفضل جهوزيةً اقتصاديا وعسكريا وأن ايران ما تقوم في المنطقة هو من باب أن للجار على الجار حق. ومما لا شك فيه أن المقاربة الإماراتية في اليمن تقوم على ملء الفراغات الناشئة بمنظومات بديلة لحماية نفسها على نحوٍ أفضل، سواء من خلال تقديم التسهيلات اللازمة لإنشاء كيان يتمتع بحكم ذاتي في الجنوب، أو من خلال بناء قواعد عسكرية على مقربة من المناطق الساحلية الغربية أو إرسال قوات موالية للإمارات للتمركز في هذه المناطق من أجل حماية الوصول إلى مضيق باب المندب. وتسير السعودية على الخطى نفسها. فبعدما تبيّن لها أنها عاجزة عن مجابهة الجيش واللجان الشعبية اليمنية تركّز حاليًا على حماية حدودها الجنوبية.
في الأشهر الأخيرة، سُجّل تحوّلٌ لافت في مواقف السعودية والإمارات من سورية فقد ظهرت في الآونة الأخيرة مؤشّرات عدّة عن رغبة عربية بعودة سورية إلى جامعة الدول العربية. أما السعوديون فقد اعتمدوا مقاربة أكثر حذرًا مقارنةً مع الإمارات والعراق ومصر، ولكن المملكة ستقبل في نهاية المطاف بقرار توافقي يقضي باستئناف الاتصالات مع الرئيس بشار الأسد. لكن ذلك يُثير سؤالًا مهمًا: ما الثمن الذي ستحاول الدول العربية وسورية انتزاعه مقابل استئناف هذه الاتصالات؟
غالب الظن أن دول الخليج، انطلاقًا من شعورها بأن سورية تعاني هشاشة استثنائية، إذ قُدِّرت تكاليف إعادة الإعمار في العام 2019 بـ200 إلى 400 مليار دولار، سوف تطالب دمشق بالحد من علاقاتها مع إيران ولن يرغب الأسد في القيام بذلك بسبب ما قدمته ايران خلال العشر سنين الأخيرة كما أنها أعلنت أكثر من مرة عن استعدادها لتقديم المال إلى سورية اذا أرادت الحكومة أراد إطلاق عملية إعادة الإعمار. ولن يكون الحدّ من العلاقات السورية مع طهران سهلًا، فالتعاون الإيراني مع سورية واسع جدًا ويشمل أغلب المجالات الصناعية والاقتصادية والعسكرية.
ولكن أمام الرئيس الأسد خيارات إذا قرّر إعادة دوزنة علاقاته مع الدول العربية. فهو يستطيع التعويل على الدعم من روسيا. وقد موسكو أدّت دورًا أساسيًا محاولةً تغيير المواقف العربية من دمشق. يُضاف إلى ذلك أن الأسد فاز في الانتخابات الرئاسية هذا العام بفوز ساحق وهذا الفوز سيمنح الدولة السورية زخمًا جديدًا. وهنا نصل إلى سؤالٍ آخر: ماذا سيطلب الرئيس الأسد من الدول العربية مقابل تلبيته جزءًا على الأقل من شروطها بشأن إيران؟
قد يأتي الجواب من خلال لبنان وايران. فالأسد قد يطلب من الدول العربية عدم المساس بالحيق الاستراتيجي حزب الله الذي كان له صولات وجولات ناجحة في الحرب السورية ضد الإرهاب كما قد يطلب عدم فتح ملف التعاون المشترك العسكري مع ايران وكلنا نعلم أنه لولا الدعم العسكري الذي قدمته الجارة ايران لما بقي لسوريا قائمة.
إذا كانت الدول العربية الكبرى تفكّر فعلًا بالتدخل الإيجابي في لبنان وسوريا، فعليها إذًا أن تتحلى بالواقعية. وفي ضوء الانتخابات الرئاسية وما آلت إليه من نتائج في كلٍّ من سورية وإيران فإن المنطقة تستعدّ لمرحلةٍ قد تكون تحوّلية.