تقترب الذكرى الـ78 لاستقلال لبنان عن فرنسا في ظل أسوأ أزمة اقتصاديّة وماليّة تخيم على البلاد منذ أشهر
و على الرغم من نيل لبنان استقلاله رسميًّا عن الاستعمار الفرنسي قبل 77 عاما، فإنه ما زال يعاني من تجاذبات أفرزتها تلك الحقبة من انقسامات طائفيّة ومذهبيّة، في بلد تخيّم عليه منذ أشهر أسوأ أزمة اقتصاديّة وماليّة.
وعمد الاستعمار الفرنسي (1920: 1943) على فرض سياسة “فرّق تسدّ” لبسط سيطرته ونفوذه بالقوّة، ما عزّز الانقسامات والصراعات الطائفيّة داخل المجتمع اللبناني والذي لا يزال يدفع ثمنها.
وانقسم اللّبنانيّون إلى فئتين، الأولى من الطائفة المسلمة التي كانت تطلّع إلى تحقيق الاستقلال الكامل، والتخلّص من الاستعمار، والأخرى من الطائفة المسيحيّة، وكان هدفها أيضًا الاستقلال، لكن في ظل حماية فرنسية.
واستقلّ لبنان في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1943، بعد انتخابات كان أحد طرفيها لبنانيّون موالون لفرنسا ومؤيّدون لعزل بلادهم عن الدول العربيّة، برئاسة أميل إدة.
أما الطرف الثاني في تلك الانتخابات كانت الكتلة الدستوريّة، برئاسة الشيخ بشارة الخوري، وكانت موالية للإنجليز ومؤيّدة للتعاون بين الدول العربيّة، وكسبت في الانتخابات.
الاستعمار رسّخ الطائفيّة والانقسامات
وفي هذا السياق، قال المؤرّخ اللبناني، خالد الجندي، “فرنسا عمدت منذ تدخلها على ترسيخ الطائفيّة في البلاد من خلال تمييز واحدة عن أخرى”.
حمّل الجندي الانقسامات المذهبيّة الحالية إلى الاستعمار الفرنسي الذي “ميّز الطائفة المارونيّة في محاولة منها لجعل لبنان تحت حكم الموارنة، ما رسّخ الطائفيّة منذ تلك المرحلة إلى اليوم”.
وزاد:” وأثناء إعلان دولة لبنان الكبير سعت فرنسا إلى جعل رئيس الجمهوريّة من الطائفة المارونيّة فقط ليبقى لبنان تحت حكمها، حتى أنّها رفضت أن تكون رئاسة الجمهوريّة لطائفة الأرثودوكسيّة المسيحيّة”.
واحتفل اللبنانيون في الأول من سبتمبر/ أيلول هذا العام الذكرى المئوية لقيام دولة لبنان الكبير عام 1920، عندما أعلنها الجنرال الفرنسي هنري غورو، المندوب السامي للاحتلال الفرنسي على لبنان وسوريا، إثر سقوط الحكم العثماني بالمنطقة.
محاولات لإحياء الاستعمار
وعند السؤال إن كانت فرنسا قادرة على فرض سيطرتها على لبنان عبر تدخلاتها الأخيرة، ردّ الجندي أن “المبادرة الفرنسيّة التي أطلقها الرئيس (إيمانويل ماكرون) هي ليست إنسانيّة، والاستعمار الفرنسي لم يكن جمعيّة خيريّة”.
واعتبر الجندي أن “التجربة كانت قاسية مع الاستعمار الفرنسي، وما فعله في 30 عامًا لم تفعله أي دولة في العالم، ولا يمكن لفرنسا أن تعود ولن نرضى بذلك بتاتًا”.
فشل رهان ماكرون
رأى الكاتب اللبناني طوني أبي نجم، أنّ “المبادرة الفرنسيّة قائمة بسبب الروابط التاريخيّة والثقافية بين لبنان وفرنسا”
وأضاف: “ماكرون راهن على أن وصول لبنان إلى الهاوية من الممكن أن يجعل الطبقة السياسيّة تبدّل في أدائها، لكنّه للأسف لم ينجح”.
وتتزامن الأحداث المتشابكة التي يشهدها لبنان مع حلول العام الـ78 للاستقلال، في وقت تستمر فيه أزمات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، يفاقمها انعدام الخدمات الأسياسيّة للمواطن، من ماء وكهرباء وفرص عمل، وتفشي كورونا.
وللسنة الثانية على التوالي تلغى الاحتفالات لمناسبة عيد الاستقلال، إذ كانت الرئاسة اللبنانية قد أعلنت الأربعاء، إلغاء جميع المناسبات الوطنية والاكتفاء بوضع أكاليل الزهور على أضرحة “رجالات الاستقلال” نظرًا للظروف الصحيّة الراهنة.