من الواضح أنّ السعودية بالغت في ردة فعلها تجاه تصريحات وزير الإعلام اللّبناني جورج قرداحي، مع العلم أنّ هذه التصريحات قديمة، ومبنية على فيديوهات سابقة ومن قبل أن يتولّى مهامه الوزاريّة، فلا شك أنّها تعبّر عن رأيه الشخصي البحت لا عن رأي الحكومة ولبنان، فقامت بشن حملة شرسة على الوزير قرداحي وكأنّه العدوّ الأوّل للسعودية والعالم، وعلى سبيل الطرفة قد تعتبره السبب في الاحتباس الحراري وثقب طبقة الأوزون.
لقد كان جليّاً التصرّف المتسرع الذي قامت به السعودية بناء على تلك التصريحات فقطعت العلاقات مباشرة مع لبنان، لا وبل استدعت سفيرها أيضاً وقامت بترحيل السفير اللبناني لديها إلى لبنان، وحرّضت دول الخليج لقطع علاقاتها أيضاً مع لبنان، وشهدنا ذلك من خلال تصريح الإمارات واليمن.
من الواضح أنّ القضية أبعد من قرداحي ولا تتوقّف عند تصريحات وزير إعلام فقط، فهل التصريحات بهذا الحجم وتحتاج لردّة فعل كهذه؟
بالطبع السعودية اتّخذت القرداحي ذريعة لتنفيذ ذلك، ولنقطع الشكّ باليقين أتت تصريحات وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان خير دليل على ذلك وعلى نوايا السعودية الطامعة في لبنان، فقد قال أنّ الإشكال الذي وقع داخل لبنان أكبر من تصريح الوزير قرداحي بل السبب “سيطرة إيران ووكلائها” ولبنان بحاجة إلى إصلاح شامل يعيد له مكانته في العالم العربي، والمؤكد أنه يريد القول من وراء ذلك أنه يجب التخلّص من إيران وسوريا ليعود النفوذ السعودي على لبنان كما كان في سابق عهده، وأضاف أنّ لبنان يحتاج أيضاً للتخلّص من سيطرة حزب الله على لبنان داخلياً و سياسياً.
مرّة أخرى يا سعادة الوزير تصريحاتك واضحة وضوح الشمس والموضوع ليس موضوع القرداحي .. فالسعودية لا ترغب لا بإيران ولا بسوريا ولا بحزب الله فمن غير الملائم إنكار الدور الإيراني السوري في لبنان والحديث بهذا الخصوص يطول.
لقد قال أنّ حزب الله يسيطر على لبنان، ربّما لم يكن متابعاً لما جرى في لبنان في الفترة الأخيرة فموضوع المرفأ وتحقيقات البيطار وأحداث الطّيونة لم يقم الحزب بالتحرك قيد أنملة ولم يقم بالتأثير على أحد ولو أراد لسيطر على لبنان بالطول والعرض وعزل البيطار مباشرة، لكنّ الحزب ترك القانون يأخذ مجراه، وحزب الله كان وما زال مع لبنان ومع الجيش اللبناني.
من المؤسف لدولة كالسعودية أن تجعل من شخصيّة كوزير الإعلام اللّبناني كبش فداء لتنفيذ مصالحها في بلد عربي صديق كلبنان ومن المعيب أن تقوم دولة شقيقة التي تعتبرها كل الدول العربية والإسلامية أنها الأخت الشقيقة بهكذا فعل مع شقيقتها الصغيرة.
ومن المؤسف أن السعودية تمتهن الكيل بمكيالين فعندما يكون الأمر متعلق بالولايات المتحدة تجلس خانعة مكسورة ومن منا ينسى تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عندما صرح أن السعودية بالنسبة للولايات المتحدة هي بقرة حلوب من الأموال واذا أرادت الأخيرة الحماية فعليها أن تدفع مقابل ذلك.
ومن منا ينسى عندما جلس ترامب مع ولي العهد السعودي وبدأ بعرض صور الأسلحة والمعدات التي تم شراؤها منهم بطريقة مهينة جدا ولم يحرك ولي العهد شيئا وكأن شيئا لم يكن.
ومن منا ينسى تصريحات الرئيس الحالي جو بايدن عندما أعلن أن السعودية تدعم تنظيمات إرهابية على مستوى العالم ولم نرَ تصريحا حتى من موظف صغير بالسعوذية ينكر هذا التصريح.
أما عندما يكون الأمر متعلق بدولة متهالكة اقتصاديا كلبنان بسبب تصريح قديم لوزير الإعلام تقوم الدنيا ولا تقعد.
لا حول ولا قوة إلا بالله