في صباح 25 ايار/ مايو من عام 2000، وبعد أن أعلن عن انسحاب الجيش الصهيوني من جنوب لبنان، عمت الافراح والأعراس مختلف أرجاء الوطن، كانت الفرحة بانتصار المقاومة على العدو الصهيوني تنتشر من بوابة فاطمة جنوباً مروراً بعاصمة المقاومة بيروت ووصولاً الى طرابلس وعكار شمالاً.
في 25 أيار 2000، صور لا تغيب من الأذهان والعقول، مشاهد التحرير غطت كل الوطن من جنوبه المحرر إلى شماله الفرح بالتحرير، كيف لا تذرف دموع الفرح هنا وبالأمس جفت دموع الحزن على أطفال قانا الأولى والثانية، على شهداء عناقيد الغضب، ومئات الشهداء والجرحى الذين سقوا بدمائهم أرض الجنوب المقاوم.
كيف لا يحق لطرابلس أن تفرح لفرح الجنوب وهي من كانت تحزن لحزنه، تشارك أحزان كل أم شهيد، تزغرد فرحاً، عند تنفيذ رجال المقاومة لعملية ضد الصهاينة، وتوزع الحلوى حينما يسقط قتلى وجرحى للعدو، وتنطلق المظاهرات والاعتصامات لتشق شوارع طرابلس وهي تصدح بحناجرها “من طرابلس للجنوب شعب واحد ما بيموت”.
25-ايار، اليوم التاريخي، والذي كان له وقعه الخاص في طرابلس، مفرقعات نارية وحلوى وجو من الفرح لطالما كان مفقوداً، مواكبٌ تصدح فيها الحناجر بأهازيج النصر على الاحتلال الذي هزمه اللبنانيون في انتصارٍ قدمته المقاومة لكل أبناء الوطن وليس لمنطقة وحدها أو لطائفةٍ بذاتها.
وكعادتها في الوفاء، وبعد عدة أيام على الانتصار، خصصت المقاومة لأهالي طرابلس يوماً ليشهدوا فيه على غنائم النصر من الاحتلال وكان الموعد المحدد حيث تجمع آلاف المواطنين في ساحة النور رافعين أعلام ورايات المقاومة، وصور الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مرحبين ومهللين لرجال المقاومة الذين هزموا من ادعى يوماً أنه جيش لا يقهر.
يومها أهدت المقاومة “دبابة اسرائيلية” غنمتها من الجنوب لأهالي طرابلس عربون محبّة ووفاء لهم وذلك عقب التحرير لتكون شاهداً على إنجاز المقاومة، وضعت في وسط المدينة.
أعواماً مرت على الانتصار، تبدلت فيها الكثير من الصيغ والمعادلات، لكنها لم تغير أو تبدل في مواقف أبناء طرابلس من الانتصار.
وبالرغم من جولات القتال في طرابلس، وكل المحاولات لإلباس المدينة ثوباً تكفيرياً، عمد عدد من المسلحين في إحدى جولات القتال بين باب التبانة وجبل محسن إلى الاعتداء على الدبابة محاولين إزالتها ورميها لإزالة الانتصار ومحوه من ذاكرة الطرابلسيين، فما كان من الجيش اللبناني إلا وأن تدخل واستعاد الدبابة ووضعها بعهدته. ولكن الأمور تبدلت اليوم، وبعد أن استراحت المدينة من ثقل هؤلاء التكفيريين، تجرى محاولات حثيثة من العديد من أبناء طرابلس إلى التواصل مع قيادة الجيش اللبناني في طرابلس،” لإعادة الدبابة إلى مكانها، في محاولة لعودة جزء من تاريخ المدينة إليها.
العودة إلى أيار 2000 تشعرنا بالعودة إلى الزمن الجميل، إلى الوضوح في الرؤية والخيار الأصح إلى سطوع الحق وعدم التباس في المسميات والمضامين، إلى مجموعة مقاومة تحاربُ محتلاً، لأنه قاتل ومجرم ومعتدي ومغتصب ومتكبر وفاقد للقيم وناقض للناموس الانساني.
هذا التاريخ وإن غاب عن طرابلس قسراً، لكن في قلوب الطرابلسيين يبقى له أثر محفور، يعيدهم إلى تاريخ الشرف والكرامة والعزة والعنفوان، تاريخ لن ينسى ولن يستطيع أحد أي كان أن ينسيهم أشرف أيام الانتصار في هذا الوطن المقاوم.