من لم يزر الجنوب اللبناني لن يشعر بالفخر والكرامة التي قدمها المقاومون على مر السنوات لتحرير هذه الأرض التي تجاور فلسطين، تراب الجنوب جبلت بدماء الكثيرين وأهالي قدموا الغالي والنفيس في سبيل الحرية.
يوم ككل أيام السنة كان ذلك قبل العام 2000 ، لكن هذا التاريخ من السنة بعد الألفية الثانية أصبح يعتبر من الأيام المجيدة للبنان وشعبه وخصوصا لجنوبييه، لا بل وتخطى كل المناسبات التاريخية اللبنانية، 25 أيار هو يوم دحر فيه المقاومون الاحتلال وعملائه وأزال عبء الاحتلال عن كاهل الجنوب وأهله، هو يوم عاد الجنوبي الى مسقط رأسه والى أرضه ليزرعها من جديد، وليتنفس الهواء الذي لطالما كان محروما منه لسنوات طويلة، هو يوم تحقق بفعل التراكمات والسنوات المليئة بإنجازات المقاومة وعملياتها النوعية، بدأت مع الحرس الشعبي وقوات الأنصار وعمليات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول) وصولا الى المقاومة الإسلامية صاحبة الإنجاز النوعي والعسكري ضد أقوى جيوش العالم، قدم كل هؤلاء خلال تلك الفترة العديد من الشهداء كان همهم الأساسي والوحيد تحرير الأرض و الإنسان واستعادة الكرامة.
التحرير بدأ في يوم الواحد والعشرين من أيار، بعد أن أعلنت قيادة القطاع الأوسط في الجيش اللبناني الجنوبي (جيش لحد) المرتبط بإسرائيل الاستسلام بفعل ضربات المقاومة المستمرة، و على أثر هذا الخبر زحف الجنوبيون الى الأراضي المحتلة، من البلدات الأولى التي تحررت هي بلدة القنطرة التي لم يدخلها أحد منذ العام 1978 ، وكان ذلك مدخلا لعودة الأهالي الى بلدات الطيبة وديرسريان وعلمان وعدشيت.
في اليوم الثاني امتد موج التحرير ليشمل بلدات جنوبية جديدة انضمت الى قافلة التحرير وهي بلدات حولا ومركبا وبليدا، بالإضافة الى بني حيان وطلوسة والعديسة وبيت ياحون، ولحقت بها كل من كونين ورشاف ورب ثلاثين.
في اليوم الثالث كانت بلدة بنت جبيل وعيناثا أول الغيث ولحقت بها يارون والقرى المجاورة لها، ومن أبرز الأحداث كان اقتحام الأهالي لمعتقل الخيام وتحرير كل المعتقلين، أما اليوم الرابع انتقلت قافلة التحرير لتشمل قرى وبلدات البقاع الغربي وحاصبيا.
لا شك أن التحرير كحدث تاريخي جمع اللبنانيين، حيث احتفل خلاله ابن العاصمة وابن الشمال والجبل مع ابن الجنوب في لحظة واحدة، متضامنين ومتكاتفين رافعين راية النصر الموحدة آنذاك في طرابلس وبيروت وعاليه، ويهتفون ويرفعون رايات الأحزاب اليسارية والإسلامية التي كان لها دور في المقاومة وصور سيد النصر والمقاومة، كما اكتسب الحزب جمهورا كبيرا في الدول العربية والإسلامية.
يمكن تلخيص ربيع التحرير على أصعدة عدة، أهمها الصعيد التاريخي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، تاريخيا أضاف لبنان الى تاريخه انجازا بارزا وهو تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي ودحره أقوى جيوش العالم من خلال مقاومة امتلكت العزيمة والإيمان، سياسيا بات للبنان دور مهما بالرغم من صغر حجمه وامكانياته وكما أصبح العدو يحسب ألف حساب قبل الإقدام على أي خطوة، أما اجتماعيا استطاعت المقاومة لفترة من الزمن توحيد اللبنانيين تحت شعار المقاومة لكن هذا الانصهار الوطني اندثر مع أحداث العام 2005، أما على الصعيد الاقتصادي استرجع لبنان مساحة جغرافية مهمة من أرضه، يمكن من خلالها أن يستفيد اقتصاديا من خلال الزراعة والصناعة والسياحة، بعد أن كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي.