قاسم سليماني.. الاسم الأبرز في الصراع مع الاستكبار العالمي، رجل إيران الذي اختار أن يقارع أميركا و”إسرائيل” وأدواتهما من أنظمة ومجموعات إرهابية.. رجل الميدان والسياسة من إيران الثورة، إلى سوريا والعراق ولبنان وفلسطين واليمن، كان قاسم سليماني يوصف بأنه أقوى شخصية في الجمهورية الإسلامية، بعد المرشد الأعلى الإيراني.
وبصفته قائد جيشه في الخارج، المعروف باسم “فيلق القدس”، كان سليماني العقل المدبر لأنشطة إيران في الشرق الأوسط، ووزير خارجيتها الفعلي، فيما يتعلق بشؤون الحرب والسلام.
كان القائد ذو الشعر الفضي، الذي يتمتع بشخصية آسرة ومراوغة، محلّ احترام البعض، وكراهية البعض الآخر، كما كان مادة للأساطير والمنشورات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبرز سليماني، خلال السنوات الأخيرة من حياة كاملة قضاها في الظل، وهو يقود عمليات سرية ليحصد شهرة وشعبية كبيرة في إيران، ويصبح مادة للأفلام الوثائقية والتقارير الإخبارية وحتى أغاني البوب.
ملفات كثيرة عمل عليها الشهيد قاسم سليماني، وقدرات كبيرة ساهم في خلقها، أرادت أميركا استهدافه من أجل إضعاف ايران، لكن واضح أن الصمود لايزال سمة محور المقاومة كاملاً، لا بل إنه يتقدم في كثير من الجبهات، فيما تصمد إيران ولا تتنازل، بل وتجبر الآخرين على استجداء التفاوض معها، ما يعني أن اغتياله لم يحقق لأميركا الهدف الذي استندت إليه في عملية الاغتيال.
جمع الشهيد سليماني في عمله بين الأبعاد العسكرية الجهادية والدبلوماسية والمعنوية والإنسانية، هو الذي يرتدي سترة القتال وخوذة الحرب ويحضر في الخطوط الأمامية، وهو نفسه ذاك الإنسان الذي كان يوصل الدواء والمواد الطبيّة والتجهيزات إلى بلاده المحاصرة اقتصادياً، وإلى أولئك الذين حاصرهم الإرهابيون في العراق وسوريا.
أيضاً بات واضحاً الدور الكبير الذي قام به الشهيد في دعم وتمويل وتدريب وتسليح مختلف الفصائل الفلسطينية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يؤكّد جديّة سليماني وقوّة القدس وإيران في محاربة “إسرائيل” وقتالها ودعم المقاومة.
القائد الذي لم يعرف الجلوس خلف طاولة مكتب، دأب على العمل العسكري الميداني، متنقلاً من جبهة إلى أخرى طوال 40 عاماً، تارة تراه في صلاح الدين العراقية خلال استعادة تكريت من داعش، وتارة تراه في البوكمال آخر معاقل داعش في سوريا، ومرة يكشف أنه كان برفقة السيد حسن نصر الله والشهيد عماد مغنية في الضاحية الجنوبية خلال حرب تموز 2006، وأخرى يجتمع بالقيادات الفلسطينية في لبنان.
إنجازاته الكبيرة، خاصة خلال الأعوام الـ 10 الأخيرة، حوّلته إلى مادة رئيسية لنشرات الأخبار والمقالات والأفلام الوثائقية، حتى استحق أن يقلده مرشد الثورة الإيرانية، السيد علي خامنئي، وسام “ذو الفقار”، وكانت المرة الأولى التي يُمنح بها هذا الوسام منذ قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ومع تزايد قوته العسكرية من ناحية، وشعبيته الكبيرة لدى الشعب الإيراني والشعوب المقاومة للنفوذ الأميركي، خاصة بعد دوره الرئيسي في القضاء على تنظيم داعش في العراق وسوريا، وإسقاط الخطط الأميركية التي كانت معدة للبلدين، وضعته الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب وفرضت عليه عقوبات.
“إسرائيل” من جهتها، اعتبرته الشخصية الأخطر، ووضعته على رأس قائمتها للاغتيالات، بالإضافة إلى الشهيد بهاء أبو العطا، والسيد حسن نصر الله، وفعلاً تم إحباط مخطط عربي-إسرائيلي لاغتيال قاسم سليماني في تشرين الأول/أكتوبر 2019.
عندما اتّخذ الأميركيون، وتحديداً الرئيس دونالد ترامب شخصياً، بدفع ومتابعة مباشرة من بنيامين نتنياهو، قرار اغتيال قاسم سليماني ورفيق دربه الحاج أبو مهدي المهندس، كان الهدف المعلن (الادعاء الكاذب) هو منع مناورة استباقية يخطّط لها الحاج قاسم لاستهداف الوحدات الأميركية في العراق، وحماية الأمن القومي الأميركي.
عملياً، كان الهدف الفعلي لهذا الاغتيال هو وقف مسار تصاعد قوة محور المقاومة وقدراته، عبر إزاحة قائد قوة القدس، المدبر الفعلي والمنسق لعمليات هذا المحور في مواجهة الأميركيين والإسرائليين والإرهاب المنبثق من الطرفين (داعش وملحقاته).
لا شك في أن عملية اغتيال قاسم سليماني ومعه أبو مهدي المهندس، مثّل مكسباً لأميركا تمثَّل في توجيه ضربة لقائد بارز في محور المقاومة، لكن سرعان ما تبين المكسب على أنه خسارة كبيرة لعدة اعتبارات، أهمها ما تحدثت به الصحافة الأميركية وعدد من قيادات الحزب الديمقراطي في ما يخص قوة القدس بعد سليماني. فهذا التشكيل العسكري لم يصبه الضعف أو الانكسار أو أثرت تلك الضربة على تسليحه أو خططه أو دعم حركات المقاومة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين المحتلة.
ذلك يدلل على أن الضربة التي جاءت بأوامر من ترامب كانت أقرب إلى العبثيّة، طالما أنها لم تُغيِّر من الواقع، خصوصاً وأن العميد إسماعيل قاآني الذي كان مقرَّباً من قاسم سليماني هو مَن حلَّ محل الأخير بعد استشهاده، وأعلن أنه سيسير على ذات النهج والخطط المتبعة لقوة القدس.